محمد الأمين محمد
الهادي
)
كما تأتى
العواصف ثم تعقبها النسائم
، وكما تدوي الرعود ثم
تعقبها زخات الأمطار، وكما
تشتد الظلمة قبيل الفجر ثم
تسفر الأضواء وتشرق الأرض
بنور ربها تتابع انفعالات
هذه القصيدة. وشاعرنا نعيم
خوري يحدد لنا بداية أن ما
يتحدث عنه هو في زمن معين
" في تلك الساعة" وهو
ليس الزمن الذي نعرفه بل هو
زمن ما وراء الزمن "في قاع
الوقت" ثم يفصح أن ذلك
كابوس جاءه وهو نائم "
وبين عيون مغمضة أثقلها
السير على الأجفان" …ثم
يدخل في وصف هذا الكابوس:
كان القبر
وحيدا،
يسأل عن معنى
الموت،
وفي الطوفانْ
جثث ترميها
الريح،
وتمشي،
تعبث في
الجثث الديدان.
وتئن شموس
مطفأة ،
تتناثر في
بؤر الصمت،
وعلى ألسنة
النزف المفتوح،
حوار كحوار
الطرشان.
ما بين
المشهدوالمشهد
ينهمر النسغ
الملعون،
في زخات
المطر الأسود،
تتوالى موجات
الرعب.
إلى هنا نكون
قد وضعنا يدنا على توصيف
مركز لما رآه شاعرنا في حالة
من حالاته الخاصة ، ولكنا لا
نشك أن الشاعر لا يصف كابوسا
حقيقيا رآه في منامه بل هو
يرمز إلى وصف حالتنا
الواقعية نحن العرب الموتى،
لكنا موتنا ليس طبيعيا بحيث
يوضع جثمان الميت في تابوت
يوارى القبر.. إذ القبر وحيد
ليس فيه أحد ويسأل عن معنى
الموت إذا لم يكن مآله
القبر؟.. لكن ما الذي دها
موتى العرب ؟ إن جثثهم
اجتاحها الطوفان ورمتها
الرياح وتمشي تعبث فيها
الديدان .. هذا الطوفان الذي
جعلنا في تيه وبعثر جميع
كياناتنا وتعبث بنا ديدان
الأمم ، لأنها لو كنا أحياء
ليست سوى ديدان… وهناك
مفكرون وأدباء وكل من يحمل
قضية وهم شموس هذه الأمة إلا
أنها مطفأة بفعل القمع
والاستبداد السياسي
والاغتيال والسجن..الخ..
فأصبحت لا تستطيع أداء
دورها وهو إضاءة هذا العالم
فهي شموس ولكنها مطفأة
تتناثر في بؤر الصمت
الإجباري أو الاختياري…
وعلى ألبسة النزف المفتوح
للنهاية يجري حوار بين
أصحاب الحق والمغتصبين لكنه
كحوار الطرشان لا يؤدي إلا
نتيجة .. وما بين هذا المشهد
وذاك يتوالى المطر الأسود ..
ولا أرى الشاعر يرمز بالمطر
الأسود سوى تقاتل الإخوة ..
وربما يتساءل البعض عن مصدر
هذا الرمز ؟ فأقول أتذكرون
"حرب الخليج الثانية"
إذ أشعلت حقول النفط
الكويتية فأمطرت السماء
مطرا أسود.؟؟؟ إنه ذاك المطر
الأسود لقد صار رمزا مفعما
ناطقا عند شاعرنا.. ومن
تقاتل الإخوة العرب وخوف
بعضهم من بعض تتوالى موجات
الرعب ….
ربما يختلف
معي الكثيرون حول هذه
القراءة ولكني أرى أن
اختلاف القراءة ليس سوى
جودة للقصيدة إذ تمتد على
الهم الشخصي عند البعض
لتسقط على الهم الجماعي عند
البعض الآخر.
وبعدها تأتي
فقرة تبدأ باستنطاق الكابوس
الواقع وتوجيه أسئلة حائرة :
فمتى ؟؟؟؟
في تيار
الغضب القاهر
ينقلب السحر
على الساحر؟
وتنز النار،
من القلب،
نارا تعتصر
السيف فلا يصحو
في خاصرة
السيف الجرح،
يرقص ،
يرقص منتشيا،
في أروقة
الشمس الصبح.
هذه الأسئلة
التي جاءت نتيجة طبيعية
للذروة التي وصلت إليها
الحالة في الفقرة السابقة
عليها .. متى يأتي الغضب
القاهر ويقلب السحر على
الساحر؟ حتى يرقص منتشيا في
أروقة الشمس الصبح؟.. هذا هو
الأمل الذي يراود الشاعر …
ويواصل بعد ذلك الشاعر
أسئلة حائرة إلى الجرح الذي
خلع عليه السيف تاج النار
وتاج العصيان مستغربا كيف
تؤول الأمور إلى هذه الحالة
الغريبة على الطبيعة؟؟.
ثم ياتي هذا
المشهد الدرامي للتمرد :
لا .
لن أشهد هذا
المشهد،
في الظلمة
أعمى يتردد
لا
لن أشهد
لن أقتني
النظارات السود
وكأن البعض
على بعضي
ينهار،
وينهار نهار
ويستعيد
مشاهد العزة عند الأطفال
ليستمد منها القوة والأمل :
أطفال الملجأ
ما فتئت
نسرقهم هجمات
الغول من الأدغال
أطفال في سوق
الجن،
تعاشرهم
أشباح الرعد من البارود
نعم أطفال
لكنهم عفاريت استطاعوا في
زمن خامد أن يشعلوا
الانتفاضة ،، واستطاعو أن
يعاشرو الرعد من البارود.
وهذا يعيد
إليه التوازن فيرسل هذه
الحكمة الفلسفية العميقة
التي تحتاج إلى الكثير
لتفسيرها:
يا ولدي
صرخت أرضي ،
أيام البؤس
إذا بطلت
يبطل في
الناس الأبطال.
ويعود يستنهض
عزائم الكبار والصغار:
انهض،
لا تيأس يا
قمري
مادام الليل
على سفر
………..
………..
………..
انهض …
لا تيأس ، يا
ولدي ،
أطفال الملجأ
ما زالوا
قمرا في
الصوت الحاني،
أو صخرا في
الوجه المجنون.
إذن هذا
الوجه المجنون هو أنا وأنت
وهو صديقنا الذي نعرفه ..
وأنيسنا الذي لا يفارقنا ..
وفي القصيدة
الكثير مما ينبغي إلقاء
الضوء عليه لكننا نكتفي
حاليا بالقراءة السريعة دون
الإشارة إلى الجوانب الفنية
التي هي روعة من الروعات بحد
ذاتها.
|