رئيس التحرير

محمد الأمين محمد الهادي

يصدرها مكتب الإعلام في

جمعية المؤاخاة

العدد 28- السنة الثانية - 15/12/1999م

مقالات ودراسات

هل تنجح جيبوتي فيما فشـل فيه الكبار؟

مقديشو : مصطفى عبدالله


ندد الرئيس الجيبوتي في خطابه بزعماء الفصائل المتناحرة في الصومال الذين أسماهم "بارونات الحرب"، كما ندد بتصرفاتهم التي لا يسيغها قلب الإنسان، وأشار إلى أنهم فقدوا ثقة شعبهم والأسرة الدولية بخرقهم المعاهدات والتنصل من واجباتهم... وقال: "إن بارونات الحرب لم ينجحوا في تحقيق مصالحة وطنية في السنوات التسع الماضية ولن ينجحوا". وأضاف: "... وليس من المعقول أن يظل المجتمع الصومالي المغلوب على أمره أسيراً لتلك الحفنة الصغيرة التي تتاجر بدماء شعبها ولا ترقب فيه إلاً ولا ذمة".
وبعد مقدمة شديدة اللهجة طرح الرئيس الجيبوتي مبادرته التي تقضي بعدم حصر جهود المصالحة الوطنية في دائرة الجبهات المسلحة والفصائل المتناحرة وبارونات الحرب الذين انفردوا بالقضية الصومالية في الفترة السابقة، مما لعب دوراً بارزاً في إفشال مسيرة المصالحات السابقة ولم تخرج البلاد من مستنقع الحروب الأهلية.
ويركز المشروع الجديد على تحجيم دور بارونات الحرب والفصائل المتناحرة، وتفعيل دور المجتمع المدني وشرائح المجتمع الأخرى، من المثقفين والوجهاء والأعيان والسلاطين وعلماء الدين وغيرهم، من الشرائح غير المسلحة، ولذلك يقترح رئيس جمهورية جيبوتي أن تشارك الفاعليات المختلفة كافة في المسيرة التصالحية في المرحلة القادمة.
وإذا لم تنجح هذه الخطوة وعارضها بارونات الحرب، والتي ترى فيها سحباً للبساط من تحت أقدامها والحد من انفرادها بالقضية، إذا لم تنجح هذه الخطوة، فإن الرئيس الجيبوتي يقدم خطوة أخرى أشد منها مرارة بالنسبة لتجار الحرب.
فهو يقترح في خطوته الثانية فرض حظر دولي على بارونات الحرب واعتبارهم خارجين على القانون الدولي ومجرمي حرب تجب مقاطعتهم من قِبَلِ المجتمع الدولي برمته، وعدم مساندتهم سياسياً أو اقتصادياً، يقول الرئيس الجيبوتي في هذا الصدد: "فكيف نقبل أن تجول وتصول بارونات الحرب في العالم وتستريح في الفنادق السياحية في العواصم العالمية في حين تقتل شعبها وتشرد أبناءها؟ يجب أن نمنعهم من السفر إلى الخارج والتنزه بالمنتجعات السياحية، بل نحصرهم في المستنقع العفن الذي صنعوه بأيديهم وأذلوا فيه شعبهم".
ويعني ذلك ممارسة ضغوط مكثفة على بارونات الحرب حتى تخضع لإرادة الأسرة الدولية في تحقيق مصالحة صومالية.
الخطوة الثالثة : وإذا لم تنجح هذه الخطوة، وصمد بارونات الحرب أمام الضغوط الدولية، فإن الرئيس الجيوبتي يقدم بديلاً ثالثاً يقترح فيه أن تتدخل الأسرة الدولية في القضية الصومالية بصورة فعالة ومباشرة وتأخذ قراراً حاسماً وجريئاً إزاءها.
وفي هذا الصدد نتساءل هل هذا المشروع سيحل المعضلة الصومالية ويقدم مفاتيح جديدة لحل ألغازها؟ هل يقدم تصوراً جديداً لمعالجة الأسباب والعوامل الرئيسة التي أدت إلى فشل المصالحات الصومالية خلال العقد المنصرم؟
يعتقد المحللون أن الأسباب الرئيسة التي أدت إلى فشل المبادرات التصالحية السابقة جميعاً تكمن في تفرد الفصائل المسلحة بمسيرة المصالحة، وتضارب وجهات النظر لدى الدول والمنظمات المرتبطة بحل المشكلة الصومالية.
ويحاول المشروع الجيبوتي إبطال مفعول السبب الأول، وهو حصر جهود المصالحة في دائرة الفصائل المتناحرة، وذلك بتحجيم دور هذه الفصائل، وتفعيل دور الفاعليات السياسية والاجتماعية الأخرى، وقد تزامن هذا الاقتراح مع بدء أفول نجم الفصائل المسلحة والزعامات الجبهوية وبروز دور الفاعليات السياسية والاجتماعية المدنية وقوى الخير في المجتمع بصورة متزايدة ومتنامية في الفترة الأخيرة.
ولكن هل تتوحد رؤية المجتمع الدولي تجاه القضية الصومالية وتتفق على تصور موحد لإيجاد الحل؟ هل تزول ظاهرة الاستقطاب التي تشهدها الساحة الصومالية في الوقت الراهن من قبل دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية؟؟
يشير بعض المحللين إلى أن الرئيس الجيبوتي يملك فرصة التوافق والتوفيق بين القوى الإقليمية فهو يتمتع بثقة منظمة إيقاد وجامعة الدول العربية أو إثيوبيا ومصر وتتمتع جيبوتي بعلاقات حسنة مع منظمتي إيقاد والجامعة العربية، أضف إلى ذلك أن الرئيس الجيبوتي طرح موجز مشروعه أو مسودته الأولى في اجتماع اللجنة الدائمة التي تجمع الدول والمنظمات التي تهتم بالشؤون الصومالية في 29 يوليو الماضي، أي قبل مدة كافية من إعلان تفاصيله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وخلال تلك الفترة لم تبد الدول المعنية انزعاجها من المشروع الجديد أو ملاحظات حوله.
وترحب الدول العربية وعلى رأسها مصر بأي مشروع يحل المعضلة الصومالية، أما إثيوبيا التي انزعجت من تزايد وتنامي الدور العربي في القضية الصومالية، فربما اقتنعت بأنه قد ولى عهد استئثارها بالقضية الصومالية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن جهودها في الصومال ـ بغض النظر عن الأهداف ـ قد فشلت فشلاً ذريعاً، حتى أنها لم تستطع في الوقت الراهن جمع الفصائل المتحالفة معها تحت سقف واحد وتوحيد كلمة أنصارها من الفصائل الصومالية، فما بالك بالأطياف العديدة والكتل المتنوعة في الساحة الصومالية؟ ربما اقتنعت أنها فشلت، في حين نجحت إريتريا في فتح جبهة موسعة في الخاصرة الشرقية والجنوبية لإثيوبيا، ومن ثمَّ ربما ترحب بأي مشروع يحفظ ماء وجهها ولا يهدر مصالحها، وقد ترى أن هذا المشروع يحققه ذلك مادام راعي المشروع ومقدمه حليفها الحميم في المنطقة.
وخلاصة ذلك، فإن مشروع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي لحل المعضلة الصومالية يتمتع بفرصة ملموسة وأجواء مناسبة على الصعيد الإقليمي، وقد يكون واجهة لتحرك عربي وإفريقي واحد، وعلى الصعيد الداخلي، فقد رحب الشارع الصومالي بالمشروع وعبر عن شعوره وتأييده عبر مسيرات شعبية نظمتها فاعليات شعبية واجتماعية، في المدن الكبيرة في البلد في حين لزم أغلب زعماء الفصائل المتناحرة الصمت.
يبدو أن زعماء الفصائل مقتنعون بأن المشروع يهدد مصالحهم، ولكنهم لا يتجرأون على معارضته رغم لهجته الشديدة إزاءهم، وربما خيم عليهم الخوف والرعب بعد ورود كلمة "مجرم حرب" في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، عن الصومال والذي قدمه لمجلس الأمن في 16-8-1999م، وذكرت مصادر مطلعة لـم أن أحد زعماء الفصائل اجتمع مع حاشيته عقب ذلك التقرير وفرائصه ترتعد فزعاً من التقرير وخوفاً من العقاب القريب المتوقع قبل عقاب الآخرة.
وقد يقلل ذلك الخوف الذي بدا يسري في الفصائل المتنازعة من العراقيل والعقبات المتوقع إثارتها، فحتى وإن كانت أغلبيتهم لا تحبذ المشروع الجيبوتي، فإنها لا تستطيع معارضته في الظرف الراهن، بعد تضعضع دورهم في الداخل واحتراق أوراقهم في الخارج.
وخلاصة القول: إن مشروع استئناف المصالحة الصومالية جاء في وقت مناسب وسط أجواء ملائمة وظروف مواتية له في الداخل والخارج، بل قد يكون واجهة إقليمية بديلة عن سياسة الاستقطاب ولعبة شد الحبل بين الدول والمنظمات المعنية بالقضية الصومالية.

          عـودة