رئيس التحرير

محمد الأمين محمد الهادي

يصدرها مكتب الإعلام في

جمعية المؤاخاة

العدد 27- السنة الثانية - 1/12/1999م

المؤاخاة أول صحيفة عربية على الإنترنت مفتوحة لكل الكتاب العرب

ثقافة واجتماع

قراءة في قصيدة ( دمعة)

للشاعر علي أبو سالم

محمد الأمين

قصيدة دمعة للشاعر علي أبو سالم:

يا دمعة،

يا سرب الدمع المتململ

في سرب القلب العريان

أناديك..وأنبيك:

بأن الحال السيء، ما زال كما كان،

ويزهو بالسوء السيد

يزهو...!!!

هاأنتِ، أنا ، فقراء الدرب الضال

نراود آخر أوتار الوجد الهارب،

والغارب،

ها أنتِ....

*****

هل بحت بسرك هذي الليلة لامرأة

تسكن عش العلم الذاوي

هل قلت لها أن الليل الوارف

ليل..

هل قلت لها ألاَّ تبكي..تبكي

أو تبكي،

هدب الحزن الراعش

في صلوات الفجر الأولى

والفجر اللاحق،

هل قلت.....؟

****

يا دمعة،

أيتها الدمعة،

يا......

هل أسفرت قليلاً عما في أغصان الذات

ولوحت بمنديلٍ لشجيرات الحلم

بما كان

وما يأتي

هل أنبأت بأن الفرح الابيض

ينبت عبر خلايا الحزن

وينمو

هل راودك الأمل العاشق

في عرسٍ نبوي الاسم

الوشم، الازهار

هل جاسدك الأفق

الوعد، النسغ الريان

في الليل الفائت

أو ليل الليل الآتي..

هل.......؟؟؟؟؟


الأخ علي أبو سالم كثير المناورة ، ويجيد صياغة الكلمات بحيث تأتي نثرا أشبه بالشعر ، أو شعر أشبه بالنثر ، لقد انتفت لديه الفاصلة الفارقة بين الشعر والنثر، حتى تعليقاته يصوغها بكلمات وأسلوب يقل نظيره بين جميع الإخوة في الملتقى ، ولكنه للأسف مراوغ كروغان المصابيح، يكتب القصة ويقول لنا إنه ليس بقاص !! ويقترف الشعر ويريدنا أن نبريء ساحته من الشعر ، ونشاركه في طمس آثار هذه الجريمة العذبة التي اقترفها في حالة سكر خاصة!! يسرق النار من آلهة الإغريق ، ويستلهم النور من ملائكة السماء ، ويستوحي الخيال من جن عبقر.

لذلك يحملنا مسئولية هذه الجريمة التي اقترفها علنا وعلى ملأ مع سبق الإصرار والترصد!! لقد كنا نصدقه فيما مضى أنه ليس بشاعر ، ولكنه الآن للأسف قبض عليه وهو متلبس، وقد جاء بنفسه بشاهدي عدل يشهدان ضده؛ هذه " الدمعة" و" خربشات" أخرى.

قصيدة " دمعة" - وهي وثيقة إدانتنا - جاءت متكاملة البناء ، متماوجة الإيقاع، في خطاب أليف لدمعة لها في فؤاد شاعرنا مكانة الإلف المألوف، وهي وإن كانت دمعة في عنوان القصيدة فإن التتابع والتدفق الذين توحي بهما كلمة " سرب" تجعلها دموعا ، وللأسف لم يشكل الشاعر كلمة " سرب " التي تأتي "سَرِب" بمعنى الماء السائل ، والـ " سَرَب " بمعنى الماء السائل من المزادة ،.. هذا في السطر الأول. ( ياسرب الدمع المتململ) ثم تتكرر الكلمة كتابة في السطر الثاني ( في سرب القلب المتململ) وهي كذلك غير مشكلة وهي يمكن أن تكون الـ " سَرْب " وهي بمعنى الوجهة أو الطريق ، أو الـ " سَرَب" : يقال (طريق سَرَبٌ) أي يتتابع الناس فيه، أو بمعنى الحفير تحت الأرض، وتأتي السِّرْب بمعنى القلب أيضا.وهي كلها توافق المعنى … ومن هنا نرى مراوغة الشاعر في عدم التشكيل ليفتح لنا آفاقا من المعاني بمجرد تغيير فتحة أو كسرة أو سكون.. وهذا من سر العربية اللغة الشاعرة.

ويخاطب هذه الدمعة خطابا ملؤه الشجى والشجن:

أنبيك بأن الحال السيء مازال كما كان،

ويزهو بالسوء السيد

يزهو…!!!

ها أنتِ، أنا فقراء الدرب الضال

نراود آخر أوتار الوجد الهارب،

والغارب،

ها أنتِ……

لقد جاءت الدمعة ليس للمرة الأولى بل هي ربما للمرة الألف أو المليون وهذا ما تشير إليه جملة " الحال السيء مازال كما كان" فكأنها متعودة على هذه الحال حيث "يزهو بالسوء السيد" وتترقب حدوث تغير فيه… لاحظوا معي الشجى الذي تحمله هذا التعبير " … نراود أوتار الوجد الهارب ، والغارب،"

……..

وفي المقطعين الأخيرين يتوجه إلى الدمعة بأسئلة لا نهائية .. تنبئ عن السر الذي بينهما "الشاعر والدمعة" والذي يحرص الشاعر ألا يبوح به "هل بحت بسرك هذي الليلة لامرأة، تسكن عش العلم الذاوي" وهنا نأتي إلى مسألة التشكيل مرة أخرى في كلمة "العلم" هل هي بكسر العين وتسكين اللام وهو ضد الجهل ، أم بفتح العين واللام بمعنى الجبل ، أو الراية .. ؟؟؟ والأسئلة في المقطع الأول من المقطعين الأخيرين تشي بشيء من اليأس الشفيف:

هل قلت لها إن الليل الوارف

ليل…

هل قلت لها ألاّ تبكي.. تبكي

أو تبكي،

هدب الحزن الراعش

في صلوات الفجر الأولى

والفجر اللاحق،

هل قلت….؟

ولكن أسلوبها ينقلب إلى استكشاف للحلم واستنبات للأمل:

هل أسفرت قليلا عما في أغصان الذات

ولوحت بمنديل لشجيرات الحلم

بما كان

وما يأتي

هل أنبأت بأن الفرح الأبيض

ينبت عبر خلايا الحزن..

وبنمو.

……..

…….الخ.

وللقصيدة أبعاد فنية كثيرة ليس أقلها ذلك الأسلوب الذي اعتمد عليه الشاعر ليفتح للقارئ مساحات كبيرة من الفضاءات المتولدة المعاني يكملها من خياله .. ويكتفي الشاعر فيها بفتح أفق المعنى وترك الفضاء الواسع يسرح فيه القارئ وذلك بترك إكمال الجملة وذلك داخل المقطع أو في نهاية كل مقطع:

ويزهو بالسوء السيد

يزهو…..

+++++++

ها أنت ، انا فقراء الدرب الضال

نراود آخر أوتار الوجد الهارب،

والغارب،

ها أنت……….

+++++++

هل قلت لها إن الليل الوارف

ليل……….

+++++++

هل قلت ……؟

++++++

يا دمعة ،

أيتها الدمعة،

يا…..

++++++

هل جاسدك الأفق

الوعد، النسغ الريان

في الليل الفائت

أو ليل الليل الآتي..

هل………….؟

وكذلك فنية الإلحاح على الكلمة التي تدل على أن لها في قلب الشاعر ترددات موجية إن صح التعبير ، مثلا عندما يقول:

هل قلت لها ألا تبكي .. تبكي

أو تبكي،

+++++

يا دمعة،

أيتها الدمعة،

يا………

وفي القصيدة أشياء وأشياء. ولكن الوقت والمكان لا يسع لها..

أما الجانب الذي يخشى منه الشاعر وهو الوزن فقد جاءت القصيدة سليمة من أي كسر في الوزن ما عدا سطر واحد وهو السطر الثالث من المقطع الأول:

أناديك… وأنبيك.

وإذا حذف كلمة " أناديك" واكتفى بـ " أنبيك " وحدها استقام الوزن.

وفي الحقيقة أنا لست بارعا في الوزن إنما الأذن الموسيقية هي التي أوحت بذلك..

            عـودة