رد الأستاذ منصور الأستاذ: منصور الجابري أخي العزيز محمد الأمين محمد الهادي بعد التحية: ما اجمل الحوار معك وما أمتعه وبخاصة عندما تستثار .. إن ما أقوله هو الحقائق بعينها وليس عنادا فكلانا يعتقد انه يقول الحقيقة إذا فنحن متساوون في نظرتنا للأمور ولن يفصل بيننا سوى حكم عادل .. وأنا مازلت مصرا على عدم إخضاع نقاشنا لرأى القراء لان آراء القراء غير مجدية ولا يعتد بها بل أن الصحف التي تنشر هذه الآراء تتنصل من مسؤولية ما يترتب عليها وتشير إلى أنها تعبر عن وجهات نظر كتابها فقط. كنت قد عقدت العزم على أن أفتح بابا آخر للنقاش وكان ذلك بمبادرة منك ولكني أرى نفسي مضطرا ليس للدفاع عن رأيي و عن الحقائق التاريخية والجغرافية التي تحدد ملامح التناسق التام بين أبناء المنطقة الجغرافية الواحدة بعدة معطيات من أهمها الجنس الواحد الذي ينتمون إليه ووحدة اللغة أو التقارب بين مترادفاتها وهذا ما نلحظه فعلا عند المقارنة بين سكان هذه منطقة شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا و التي لم تتعرض لهجرات استيطانية متزايدة طغت على العنصر الأصلي فيها بل ظلت ثابتة وبها يمكن التمييز بين الأجناس التي تستوطنها وتقسيمها ضمن فئات تنتمي إلى أعراق متباينة يسهل تحديد أصولها .. وخذ مثلا لذلك منطقة الشام ومصر وشمال السودان قبل المد الإسلامي منذ 1400 سنة تقريبا لم يكن سكان هذه المناطق عربا بل كان يسكنها الغساسنة في منطقة الشام والأقباط في مصر ومن كانوا يسمون النوبيون في جنوب مصر وشمال السودان ونسبة لاتساع الدولة الإسلامية فقد أقيمت الممالك الإسلامية في هذه المناطق بل أصبحت بعضها مقرا للخلافة الإسلامية وانتقل أبناء العنصر العربي من الجزيرة العربية وقد طغت ثقافتهم العربية على الثقافة السائدة في هذه المناطق واصبح الجميع ينطقون بلسان الضاد مع ملاحظة أن الأقباط والغساسنة والنوبيون لا يزالون موجودين في هذه المناطق بل وان غالبية السكان تتشكل منهم ولكن الثقافة العربية غطت على ثقافاتهم وأصبحت هي السائدة وقس على ذلك الهجرات الأوروبية الاستيطانية إلى شمال أمريكا واستراليا التي غطت هذه المناطق وفاق فيها المهاجرين عدد السكان الأصليين بل وصل الحال بهم إلى حد استئصال السكان الأصليين أو عزلهم في مناطق نائية وتجريدهم من موروثهم الثقافي .. لذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بصورة تلقائية هل تعرضت مناطق شرق أفريقيا إلى مثل هذه الهجرات المنظمة ؟ الجواب بالطبع لا .. إذا كيف دخل الإسلام إلى الصومال ؟ الجواب هو عن طريق من كانوا يرتادون البحار على شكل جماعات صغيرة غير مؤثرة كانت تنزل على الشواطئ الشرقية لأفريقيا والتي لم تستطع تغيير الثقافة الصومالية بسبب عدم استيطانها للمنطقة بشكل مكثف بل احتفظ شعب الصومال بمجمل عاداته وتقاليده ذات الطابع الأفريقي وهو لذلك لا يشكل وحدة ثقافية واحدة مع الشعب العربي .. وقد فاتني أن أشير أيضا إلى الهجرات العربية إلى شمال أفريقيا التي لم تستطع التغطية على الموروث الثقافي لشعب شمال أفريقيا من البربر بل استوطن العرب في مناطق محدودة من هذه البلاد ولا يزال الموروث الثقافي حتى الآن في شمال أفريقيا يشكل معضلة كبرى وهو بمثابة قنبلة موقوتة قد تقود إلى صراعات بدأت بوادرها تظهر من الآن .. فهناك من ينادي بان تأخذ الثقافة الامازيغية دورها ومكانتها في هذه المنطقة كونها ثقافة معظم السكان ومستمدة من لغتهم وتراثهم وتقاليدهم وأن تسير جنبا إلى جنب مع العربية إن لم تأخذ حيزا أوسع من ذلك .. إذا كيف يحق لك أن تصنف الشعب الصومالي بأنه شعب عربي وهل امتزج مع أي شعب من الشعوب العربية وهل جرت الفتوحات الإسلامية للصومال مثلما جرت للشام وشمال أفريقيا وماهي الأجناس العربية التي هاجرت إليه وتمازجت ثقافتها مع ثقافته ؟ بالطبع لا يوجد سوى هجرات عربية محدودة تقوقعت في ركن نائي من الصومال وانغلقت على نفسها وتولدت لديها ثقافة تختلف كما وكيفا عن الثقافة الصومالية ( إنها الاقليات التي اختارت لنفسها منحى آخر أفقدها حتى ما كانت تتميز به من تقاليد توارثتها عند هجرتها من أوطانها قبل خمسة قرون على وجه التحديد ) وقد لعب الإيمان بالقومية الصومالية دورا بارزا في فكر الفئات المثقفة من أبناء الشعب الصومالي الذين لم يتطرقوا إلى مسالة الربط بين الثقافة الصومالية وشقيقتها الثقافة العربية بل اعتبروا ذلك مساسا بالتراث الصومالي وقد تكرس ذلك الرفض بشكل علني عند ابتكار مفردات اللغة الصومالية التي أيد كثير من المثقفين الصوماليين كتابتها بالأحرف اللاتينية حتى تكون مغايرة لكل ما هو عربي وقد حدث ذلك في أوج حكم العسكرتاريا الذي تزعمه سياد بري واعتبر أن الصومال قومية مستقلة بذاتها وبالرجوع إلى أقواله في كتاب وطني وشعبي تستشف انه استطاع اللعب على الوتر الحساس الذي يؤمن بنغمته الغالبية العظمى من أبناء الشعب الصومالي سواء كانوا في شمال الصومال أو جنوبه أو في الاجزاء الثلاثة الأخرى من الصومال التي سعي سياد بري لتحريرها لتشكيل القومية الصومالية المنفصلة انفصالا تاما عن القومية العربية إذا فان التلاعب بالتاريخ وحيثياته ونتائجه والدروس المستفادة منه ليس حكرا على فئة دون الأخرى وكل يلعب بطريقته وحسب ما تمليه عليه مصالحه السياسية التي أخضعت لها كل القيم الإنسانية ولم تعد هناك نزاهة في سرد التاريخ إن لم يخدم أهداف سياسية معينة .. نقطة واحدة لم تتطرق إليها أنت خلال الحوار أو الجدال الذي جرى بيننا وهي أصول الشعب الصومالي العربية .. إنني أدرك أن الجنس العربي معروف وله مواطنه التي قدم منها وقد حاولت مرة أن تصور لي أنه لا توجد فوارق في الجنس بينكم انتم يامن تنتمون إلى أصول عربية معروفة والبقية الباقية من أبناء الشعب الصومالي سوى لون البشرة الذي أرجعته إلى عوامل اختلاط هذه الفئة بأجناس أخرى والسؤال الذي سيحسم نقاشنا هو أيهما أقدم ثقافة شعب بونت أم الثقافة العربية للشعب الصومالي وماهي الاصول العربية التي ينحدر منها عموم أبناء الشعب الصومالي وليس الاقليات التي تعود إلى أصول عربية وهذه نقطة الحسم التي إن أجبت عليها فأنني سأسلم بالحقيقة التي أنكرها على أن لا تنسى إنني لا أؤمن بفكرة انقراض شعوب وثقافات وحلول ثقافات واجناس أخرى بدلا منها بل إنني اعتبر أن الأجناس هي نفس الأجناس ويمكن حصول تغيرات في بعض المراحل التاريخية في حياتها مثلها مثل ما تتعرض له بيئتها من عوامل التعرية والتغيرات الجيولوجية الأخرى ولكنها تظل نفس البيئة ولا تنتقل إلى موقع مغاير .. وهذا ما أكدته أنت من انك بصدد دولة لم تزرع من الخارج وشعب لم يجمع من الشتات إنما هو ابن الأرض الصومالية . أخي محمد .. أعجبني ردك حول صحيفة المؤاخاة التي نفيت عنها صفة الخصوصية لابناء براوه وطالما أن محتويات الصحيفة لم تتبلور وتتوسع فان الكتابة فيها عن الشان الصومالي هي من الأولويات التي يجب يوليها كل من يرغب الكتابة فيها اهتماما خاصا وأنا واثق أنها ستشكل عامل جذب في المستقبل القريب للكثيرين من خارج القطر الصومالي والمهاجرين الصوماليين. حز في نفسي كثيرا بعدك عن أولادك ولن أستطيع أن أقول لك سوى صبرا فان الله سيجمعك بهم قريبا والفجر قد بانت تباشيره وقصيدتك الأخيرة المنشورة في الجذور خير معبر عن الآمال العريضة التي تختزنها في داخلك فحتما سيسفر الصبح ولابد من اللقيا بين الأحباب وأنا أقول لك نيابة عن ذاتك إن الفجر قد يبصر وأنا على استعداد لأي خدمات تكون لي القدرة على القيام بها لتذليل أي مصاعب تعترض التحاقك بأسرتك . لا يزال في جعبتي الكثير ولكني افضل أن يكون خارج نطاق تركيبة الشعب الصومالي ويستحسن أن نناقش موضوع الأزمة الصومالية المعضلات والحلول والذي اقترحته عليك في رسالة سابقة وأرجو أن لا أكون قد أتعبتك بكلامي الممل ولكني أراه بمثابة العتاب فقط ومسألة العتاب بين الأحبة شيء محبب للنفس وثق تماما إن كل ما أورده في خواطري وأفكاري وسردي للتاريخ بأسلوبي الذي تصفه بأنه يخلو من التوثيق التاريخي والجغرافي والاجتماعي لا يعبر بالضرورة عن رأيي فيك وانما هو بقصد غربلة الوقائع والأحداث تطبيقا لقوله تعالى ( أما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) حتى ألقاك ثانية اكرر لك عميق شكري وآسف إن بدرت مني أي هفوة غير مقصودة لان الكلام إن لم يكتب على روية تكثر الهفوات به أخيك منصور الجابري |