رئيس التحرير

محمد الأمين محمد الهادي

يصدرها مكتب الإعلام في

جمعية المؤاخاة

العدد 27- السنة الثانية - 1/12/1999م

المنــتــــدى

تصحيحات

رد رئيس تحرير المؤاخاة / محمد الأمين

 

Date: Sat, 27 Nov 1999 01:35:53 EAT

أخي منصور الجابري.

تحية عاطرة ، وبعد:

قبل أن أرد على موضوع رسالتك أقدم بين يديك اعتذاري عن تأخر هذا الرد لأمر قد تتفهمه جيدا وهو أننا في العالم الثالث لا نتحكم بدوام شيء في حياتنا ، ذلك أنني ما استطعت دخول الشبكة طوال أمس وقد وجدت الفرصة الآن للدخول وأنتهزها لأبعث إليك هذه الرسالة.

أخي منصور،

لا أدري متى غادرت الوطن؟ ولكني أحس أن شعلة الوطنية ما زالت متقدة في داخلك، ولقد أثرت في رسالتك الأخيرة شجونا وشجونا.. هي في الحقيقة تؤرق كل صومالي وطني يخشى على مستقبل هذا الوطن ولكني أستميحك عذرا في أن أخالفك في بعض ما ذهبت إليه من خلال قراءتك لواقع الصومال بعد الحرب الأهلية.

أولا: هذه الفئات الثلاث التي ذكرتها " الحمريون" " البراويون" "الباجونيون" وإن اختلفت مواطنهم إلا أنها ليست أقليات وفدت إلى البلاد ، بل هم أهل البلاد الأصليين لأنهم الذين يسكنون المدن الكبرى التي تعتبر كبرى الحواضر في شرق أفريقيا المذكورة في التاريخ ومناطقهم هي مناطق التجمعات السكانية بفضل استقرار أوضاعهم وتقدمهم في السلم الاجتماعي نوعا فهم قد تخطوا مرحلة الترحال واستقروا في مناطقهم يزاولون الزراعة والتجارة والصيد والحرف والصناعات الصغيرة ، بينما البقية من أبناء الصومال أغلبهم رحل يتتبعون مساقط الأمطار كأعراب الجزيرة العربية في جاهليتها، ولذا تشتد بينهم الحروب دائما ولا سيما بين القبائل المتجاورة منها. لذا من الظلم أن نقول بأنهم أقليات عرقية فالعرق الذي ينتمي أغلب هؤلاء إليه إنما هو العرق العربي ، حتى "الباجونيون" يثبتون أنهم من قبائل الأزد العربية، أما البراويون فهم أبناء الجزيرة العربية ولا زال فيهم من يحتفظ بشجرة العائلة ، منهم الحاتميون والوائليون والقحطانيون والجبريون إلخ…. والحمريون ينتمون إلى قبائل عراقية أو إيرانية والمشهور منهم الشاشيون الذين ينتمون إلى أبو بكر ابن القفال الشاشي.

وإذا كان كل الصوماليين يرجعون أنسابهم إلى الجزيرة العربية وهذا حق ثبت بالدراسات الأكاديمية الموثقة، وما اللون الذي يتميزون به عن هؤلاء الذين وسمتهم بالأقليات إنما جاءهم من الجنس الكوشي القادم من الشمال بعد هزيمتهم أمام الفراعنة.

ومن هنا ينتفي وسم تلك الفئات بأنها أقليات عرقية، إلا أن هناك فرقا بين البداوة التي يمثلها الرحل من أبناء الصومال والحضارة التي يمثلها هذه الفئات وما يحصل حاليا هو غزو البداوة على الحضارة.

أما أنهم أقليات من حيث العدد فهذا ما لم يثبت إحصائيا ولا أدل على ذلك من أن المناطق الصومالية العليا الشمالية والوسطى كبيرة الرقعة جغرافيا ولكن المناطق المأهولة منها قليلة جدا تعتبر واحات في صحراء مترامية الأطراف ، أما المناطق الجنوبية التي يسكنها هؤلاء ويستصلحون أراضيها بالزراعة فهي ذات تجمعات سكانية هائلة.

وإذا استقرأنا الواقع والتاريخ نجد أن الحضارة دائما هي التي تقود البداوة وتطورها وليس العكس وإذا حصل هذا تنعكس مسيرة التاريخ فالمجتمع الإنساني صائر إلى التحضر والاستقرار ونبذ قيم البداوة.

وإذا سلمنا جدلا بأنهم أقليات أيا كانت نوعيتها فإن الواقع السياسي الحالي يشتد في صون حقوق الأقليات ولذا تجد كثيرا من هؤلاء عندما أعيتهم الحيلة يتاجرون باسم الأقليات حتى يجدوا الحماية من الزحف البدوي، وربما يثور سؤال : لماذا لم يدافع هؤلاء عن أنفسهم إذا كانوا أكثرية؟ فإن الإجابة الطبيعية تكمن في حب الحضري للحياة وتقييمه لها عكس البدوي الذي تعود الموت وأصبح يعايشه كل حين.

ثانيا: أما عودة هذه الفئات فإني أعتقد أنها ستعود وبأكثر مما كانت عليه لأمور عدة :

  1. ليست هذه الفئات أكثر أبناء الصومال هجرة من بلدهم فجميع أبناء الصومال هاجروا واستوطنوا مهاجرهم فإن لم يعد هؤلاء فهؤلاء أولى.
  2. أبناء هذه الفئات أكثر إحساسا بالوطنية من غيرهم والدليل أنهم أكثر من حارب الاستعمار إبان عنفوانه، وقد ذكرت لك أن حركة " SYL" التي حققت الاستقلال كان يقودها عبد القادر سخاء الدين وهو من أبناء براوة وكان من بين الأعضاء الثلاثة عشر أربعة من أبناء هذه الفئات.
  3. كما أن الوطن قام على أكتاف تجارتهم وصناعتهم وصيدهم وحرفهم، وهم يحنون إلى أن يمارسوا حياتهم الطبيعية في وطنهم حتى هذا الوقت .
  4. لك أن تلاحظ ممن يساكنك من أبناء الجالية اليمنية التي هاجرت إلى اليمن هل يرتضون الحياة في اليمن أم سيعودون إلى الصومال حال استتباب الأمور؟ إن أغلبهم سيردون بأنهم قد حزموا حقائبهم استعدادا للعودة، وأشير عليك أن تذهب إلى محافظة حضرموت في مدينة الشحر هناك حي " بانوراما" يقطنه الحضارمة الذين قدموا من الصومال واسألهم تجد الرد السريع، فإن من تعود الحياة في الصومال يصعب عليه العيش في غيرها، ولا أعتقد أن الأزمة ستستمر حتى يأتي الجيل الثاني الذي لا يعرف شيئا عن الصومال سوى ذكريات حكيت لهم من آبائهم وأجدادهم.
  5. وأعطيك مثالا حيا : قبل شهر واحد عاد إلى مقديشو من الحمريين ما يناهز الثلاثين من كينيا، وكل واحد من هؤلاء إذا وجد مالا يبني بيتا أو يفكر في بناء بيت في مدينته.
  6. إن اهتمام القوى التبشيرية وغيرها بهذه الفئات ليس فقط لتنصيرهم وإبقائهم في مهاجرهم بل تنصير من يمكن تنصيره وإجراء عملية غسيل مخ بطئ للآخرين ثم إعادتهم إلى أوطانهم ممولين ومدعمين ليقوموا بدور الاستعمار في الصومال وهذا عام على جميع أبناء الصومال المهاجرين والحكمة تكمن في أن نجند هؤلاء ونؤهلهم للعب دور معاكس لما هو مطلوب منهم حال عودتهم ولا يكون ذلك سوى بإثارة الروح الوطنية وربطهم بدينهم والعمل على عدم اندماجهم الكامل في الأماكن التي هاجروا إليها وهذا أحد الأمور التي توليها حمعية المؤاخاة أهمية خاصة إضافة إلى توطين وتسهيل الحياة على الباقين المرابطين في الصومال وهم كثر والحمد لله.
  7. إن قانون البقاء للأقوى هو قانون الغاب أما القانون الذي يحكم الحياة والذي يعتبر إحدى سنن الله الكونية فهو " البقاء للأصلح" ( وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال)

أرى أن جميع الفئات التي ذكرتها والتي تساكنهم جنوب الصومال ومنها الجالية اليمنية القريبة العهد باليمن ستتوحد مصالحها مما يجبرها على التعاون والتكاتف ومن بينها سكان النهرين " دغل مرفلي" وستعمل جاهدة على استعادة دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصومالية، فور استقرار الأوضاع التي لن تستمر على ما هي عليه.

أما قولك أن أبناء براوة كان لهم نشاط تجاري فذلك صحيح ولكن يكون الأمر مبالغا فيه إذا حصرناهم وحدهم في ذلك النشاط فإن جميع الحمريين واليمنيين وغيرهم من الصوماليين المستقرين كانوا يزاولون التجارة لأنها مهنتهم التي تفردوا وتميزوا بها.

بقي أمر الباجون الذين قلت إن لديها من يرعاها بحكم انتمائها لقومية مجاورة ، فإني أؤكد لك أنه ليس في كينيا قومية مثل القومية الصومالية موحدة الجنس واللغة والثقافة والتاريخ بل هي قبائل متفرقة جمعت في هذا الفسيفساء المسمى بكينيا وهي مهددة من قبل الدول المجاورة ولا سيما " أوغندا" و"تنزانيا" وكذلك الصومال أيام عزها فكلهم يعتقدن أن هذه البلاد مكونة من أجزاء مقتطعة منها أصلا ولم يكوّنها سوى الاستعمار وهذه حقيقة يثبتها الواقع والتاريخ، أما الباجون فهم سكان جزر السواحل التي لا تلقى أية عناية من قبل الحكومة الكينية غير الإهمال في جميع المرافق وتنعدم فيها الحياة الطبيعية للإنسان فهم مضطهدون ومعروف أن الشريط الساحلي في كينيا كان محمية بريطانية ورثها من الحكم العماني ثم جرت مفاوضات أيام استقلال كينيا فألحقت بكينيا خوف أن تكون دولة إسلامية عربية. وكان ذلك بشروط ضربت بها الحكومة الكينية عرض الحائط ولا يزال أهل الساحل يتجرعون مرارتها ويحلمون باليوم الذي يفلتون فيه من قبضة الحكومة المتمركزة في نيروبي.

لذا فإن الباجون ينتمون دينيا وجغرافيا إلى الصومال ولولا الضرر الذي ألحقته العصابات والمليشيات الصومالية والتي كانت تحارب الحكومة الكينية لتحرير المناطق الصومالية فإنهم في الحقيقية يعتبرون امتدادا جغرافيا للصومال يمكن استمالتهم إذا أحسن سياستهم ووجدت حكومة وطنية حقيقية وليست قبلية في الصومال.

إن هناك الكثير مما يدور خلف الكواليس ولكن علينا أن نكون متيقظين فطنين حتى نتخذ الخطوات التي تواجه وتعرقل وتتصدى له ربما تأتي بالنتائج التي لم تكن متوقعة، ولعلك تتابع تنامي الحركة الإسلامية في الصومال مما يبشر بخير كثير.

هذه بعض الانطباعات المرسلة التي لا يربطها رابط تركتها رسالتك الأخيرة وأظن أن الموضوع ما زالت فيه بقية.

أشكرك على كرمك الحاتمي ووعدك على تزويدي بالبحوث والدراسات المتعلقة بالصومال وسأزودك ببريدي لاحقا. ولهذا أود أن أطلب منك شيئا آخر هو أن تزور لي أرشيفات المطابع أو المكتبات الوطنية في اليمن ولا سيما في عدن وتبحث لي عن المجلات والجرائد الصومالية الصادرة بالعربية والتي كانت تطبع في عدن أيام الاستعمار ربما تكون هناك نسخ منها ما زالت محفوظة هناك .

أرجو أن تسأل من تعرف من الأدباء اليمنيين إن كانوا يحتفظون بشيء مما كتبه الشعراء الصوماليون ولو قصيدة واحدة فإني مهتم بجمع هذا التراث.

أخي لست مؤرخا ولا سياسيا ولا مثقفا كما تظن إنما هي الهموم التي جعلتنا نقوم بهذا العمل حتى يأتي أهله الذين سيقومون به خير قيام إنما نحن نمهد لهم الطريق.

والسلام عليكم.

اضغط هنا وشارك في النقاش وعبر عن رأيك!!

          عـودة